تعرف إن العالم اللي إحنا عايشين فيه ده، مش هو بس اللي إحنا بنشوفه بعيوننا؟!.. طب تعرف إن ممكن علميًا يكون في أماكن وأبعاد أخرى، وكائنات تانية إحنا منعرفش عنها حاجة، موجودة جنبنا في نفس اللحظة؟!
في المقال اللي قبل ده، عرضنا فكرة الأبعاد الأصغر والأكبر من اللي احنا عايشين فيها، و وضحنا إزاي ممكن يكون البشر بالنسبة لأي كائنات عايشة في البعد الثاني أو العالم المسطح، أشبه بالآلهة.. وطبقنا نفس الفكرة على أي كائنات عايشة في بعد أعلى مننا أو في بعد رابع مساحي، أعلى من التلاتة اللي احنا نقدر نستوعبهم.. والنهارده، تعالوا نشرح مع بعض الفكرة دي بتوسع أكبر، وأيه ممكن يكون علاقتها بماهية الكائنات العلوية اللي اتكلمت عنها الأديان السماوية، زي الجن والشياطين والملائكة.
كوباية شايك الحلوة، والنعناع ف إيدك وتعالى نكمل كلامنا عن الأبعاد المساحية المرعبة دي، وماهيتها أيه بالظبط.. ومتنساش إنك تقدر تراجع الجزء الأول من المقال ده هنا:
البعد الرابع من ساعة ما جه أينشتاين في العشرينات من القرن اللي فات، وحط نظرية النسبية العامة في المجتمع العلمي والفلكي، وكل الناس بتفكر فيه على إنه الزمن.. لإنه حسب النسبية العامة، فالكون بتاعنا بيتكون من 4 أبعاد، 3 منهم أبعاد مساحية اللي هما الطول والعرض والإرتفاع، وبعد رابع مختلف في طبيعته عنهم، اللي هو الزمن أو الوقت..
الفضاء نفسه حسب النسبية العامة هو مش مجرد فراغ، بل هو حاجة بيسموها (فضاء مينكاوسكي Minkowski Space).. وهو عبارة عن نسيج كوني ضخم من الأربع أبعاد دول، 3 مساحيين هما الطول والعرض والإرتفاع، و واحد زمني غير مساحي.. يعني 3+1..
ودول مع بعض بيشكلوا شبكة كونية عملاقة بتسبح فيها الكواكب والنجوم.. الشبكة دي اسمها (الزمكان) أو الـ (Space-Time).. وحسب تفسيرات النسبية بردو اللي تم تأكيد صحتها فيما بعد، فتأثير قوة الجاذبية نفسه هو تأثير وهمي بنحس بيه بسبب إنحناءات نسيج الفضاء ده نفسه تحت تأثير كتلة وكثافة الكواكب والنجوم الضخمة..
طب حلو أوي..
هل بقى البعد الرابع اللي إحنا على وشك إننا نتكلم عنه، هو نفس البعد الرابع اللي إحنا افترضناه في النسبية؟.. اللي هو الزمن؟!
الإجابة هي لأ.. إحنا هنا مش هنتكلم عن الزمن خالص.. بل في الواقع هنتكلم عن بعد مساحي ومكاني وفيزيائي موجود فعلًا، زيه زي الطول والعرض والإرتفاع.. إتجاه رابع مش موجود أصلًا في العالم بتاعنا، ومنقدرش نتخيله حتى عشان نبص ناحيته..
إزاي؟
يعني لو جبت مكعب وحاولت تخليهم يشوفوه، ف هما مش هيستوعبوا الشكل.. كل اللي هيشوفوه في عالمهم هو انعكاس الضل بتاعه على الورقة، اللي هو مربع مسطح.. نفس الكلام على أي شكل هندسي تاني ثلاثي الأبعاد.. لو كورة هيشوفوها دايرة.. لو هرم هيشوفوه مثلث.. وهكذا..
لو حاولوا يبصوا لأي كائن بشري عايش جنبهم، ف هما مش هيعرفوا أصلًا يرفعوا عيونهم لفوق، لإن مفيش فوق في عالمهم أصلًا.. إنما احنا كبشر شايفينهم من فوق، وشايفين حياتهم كلها.. وبالتالي إحنا بالنسبالهم كائنات علوية خارقة القدرة والمعرفة، أشبه بالآلهة!!
لو جينا بقى وطبقنا نفس الكلام ده على نفسنا إحنا كبشر، هنلاقي الموضوع بقى أغرب بما لا يقاس!!
أنت كبشري، معندكش استيعاب لأي بعد أكبر من الـ 3 أبعاد اللي انت عايش فيهم وبتشوفهم بعيونك.. ده أنت –خد التقيلة بقى- أصلًا الصور اللي بتشوفها بعيونك دي مش ثلاثية الأبعاد من الأساس!!
بص يا سيدي.. البشر بعيونهم وتركيبها التشريحي والبيولوجي، مبيقدروش غير إنهم يشوفوا بُعدين بس بكل عين منهم.. يعني عينك الشمال بتشوف طول وعرض بس.. وعينك اليمين نفس الكلام!!.. هتقولي إزاي، هقولك الموضوع سهل وبسيط، بس محتاج منك تركز معايا كويس وأنا بشرحه، وهتفهم بسهولة..
أنت دلوقتي عينك دي متكونة من أيه، وبتشوف الأجسام اللي قدامك إزاي؟!.. أكيد أنت عارف المعلومة دي، اللي بالمناسبة اتبنى عليها فكرة عمل الكاميرا الأصلية اللي ابتدعها عالم البصريات العربي (الحسن ابن الهيثم)، اللي اتولد من أكتر من 10 قرون في العراق..
الكاميرا Camera دي كانت في أصلها متاخدة من لفظ عربي اللي هو (القمرة).. اللي هي زي حجرة أو كابينة صغيرة بيتم تجميع الضوء فيها عشان يكون الصورة..
وشكلها وتصميمها البدائي كان عبارة عن ثقب صغير في جدار غرفة مظلمة بيسمح بمرور الضوء لجوه، عشان يقدر إبن الهيثم يعمل عليه أبحاثه على الضوء وخواصه البصرية.. وبعد مئات السنين، جه العالم الفرنسي (لويس داجير Louis Daguerre) وطبق نفس الأفكار عشان يقدر بمساعدة عالم تاني إسمه جوزيف نيبس، إنه يبتكر التصوير الفوتوغرافي في أوائل القرن ال 19
طب حلو أوي.. أيه بقى علاقة فكرة عمل الكاميرا دي، بالطريقة اللي بتشوف بيها العين الأجسام؟!.. هقولك..
عشان تقدر تشوف أي جسم، ف النور اللي بينعكس من على الجسم ده بيسافر في الفضاء لحد ما بيوصل لحافة العين بتاعتك.. اللي بيحصله بقى أول ما بيوصل لعينك هو إنه بيعدي من القرنية أو الـ Cornea، اللي هي الحتة الملونة اللي ف عينك دي من بره.. وبعدين أول ما بيعدي من القرنية، بيقوم يحصله إنكسار أو Refraction لما بيعدي من العدسة أو الـ Lens بتاعت عينك..
طيب حلو أوي.. بعد ما الضوء اللي جاي من الجسم ده بقى بينكسر من عدسة العين، بيروح فين؟
الصورة المنكسرة دي، بتتجمع بعد كده على الشبكية أو الـ Retina بتاعت العين بتاعتك.. اللي هي موجودة في قاع عينك من جوه.. فبالتالي الصورة لما بتتجمع على الشبكية بتاعت العين، بتبقى شكلها مسطح!!.. زي بالظبط الصورة اللي بتلقطها الكاميرا..
يعني هبسطهالك.. لو أنت بتصور فيديو، ف أنت هيكون واصلك وهم إن الفيديو اللي بيحصل على الكاميرا قدامك ده هو ثلاثي الأبعاد، برغم إنك أصلًا بتتفرج عليه على شاشة مسطحة ثنائية الأبعاد.. الوهم ده بيحصل بسبب بعُد العُمق أو الـ Depth بتاع العدسة، اللي بيديك إحساس وهمي بإن الصورة ثلاثية الأبعاد.. لكن أنت لو جيت في أي وقت و وقفت الفيديو على فريم معين، هتلاقي إن الصورة اللي باينة قدامك هي في الواقع مسطحة.. ليها بعدين بس هما الطول والعرض.. مفيش ارتفاع..
ده نفس الكلام اللي بيحصل في العين بالظبط.. عينك بتشوف الصور اللي بتدور قدامك في حياتك الطبيعية بشكل ثنائي الأبعاد.. تقدر تقول إنها زي أي كاميرا متطورة شوية، بتلقط مليارات الصور والفريمات ف كل جزء من الثانية، عشان تعرض عليك فيديو واحد من الصور والفريمات المتصلة، اللي بتتجمع مع بعضها بعد كده وتديك إحساس بشكل العالم.. بس الصور والفريمات زي ما أنت عارف هي أشياء مسطحة ثنائية الأبعاد، مش 3D..
الإحساس ده يا سيدي نابع من إن عندك عينين مش عين واحدة.. كل عين في عيونك دول، موجودة على مسافة بسيطة من التانية.. فبالتالي كل واحدة منهم ليها زاوية رؤية مختلفة.. والزاويتين المختلفتين دول بعد كده لما بيجمعوا الصور في قاع كل عين (اللي هو الشبكية) وبعدين يبعتوا إشارة بيها للمخ.. المخ بتاعك بيترجم الصورتين والزاويتين دول مع بعض في نفس الوقت، وبيديك إحساس إنك شايف بعد تالت وهمي، اللي هو بُعد العُمق أو الـ Depth بتاع الصورة..
والإحساس ده، وقدرة المخ أصلًا على معالجته بالشكل ده، هي نتيجة مباشرة لملايين السنين من التطور في أجسام وقدرات البشر العقلية، وتدريب المخ على استيعاب الصور اللي جاية من العين ومعالجتها بطريقة تفيد البشر ونجاتهم من الأخطار.. بمعنى إننا كبشر لو مكناش بنقدر إننا نشوف الصور اللي قدامنا بشكل ثلاثي الأبعاد، ف إحنا مكناش هنقدر نعيش أصلًا في الأرض، ولا ننجو من الوحوش الضارية اللي كانت بتطاردنا كبشر أوائل بدائيين.. مكناش حتى هنعرف نصطاد الحيوانات اللي بناكل لحمها، ولا ننشن عليها الرماح البدائية بتاعتنا بدقة.. فبالتالي الحاجة البيولوجية لإدراك بعد تالت هي اللي كونت في عقول البشر قدرة على تدريب المخ على إنه يستوعب البعد التالت.. وإلا الصور اللي كنا هنشوفها بعيوننا كانت هتبقى كإننا عايشين جوه فيلم كارتون قديم، مفيش فيه وجود لبعد العُمق اللي بنشوفه في أفلام الجرافيك والصور الحية..
طب يعني معنى كده إن البشر ممكن لو كان عندهم عين تالتة، أو قدروا يدربوا نفسهم وعقولهم، ويتطوروا بشكل أوسع على مدى مئات السنين على إنهم يترجموا بعقولهم بعد مساحي رابع، إننا ممكن ييجي علينا يوم ونقدر نشوف البعد الرابع ده؟!
الإجابة هي أيوه.. غالبًا.. وناتج ده ممكن يبقى مرعب بشكل ميستحملوش أعتى البشر وأكثرهم شجاعة.. تخيل فجأة إن مخك يبقى عنده القدرة يستوعب إتجاه جديد غير التلاتة اللي انت متعود عليهم.. إنك فجأة بدل ما كنت بتقدر تشوف الجسم عادي قدامك من الوش، بقيت تقدر تشوف وشه وضهره مع بعض.. بل بقيت بتقدر تشوف جواه كمان!!
مش بس كده.. هتقدر ساعتها تشوف كائنات غريبة، اصطلحت الأديان السماوية على تسميتها بالجن والشياطين والملائكة.. مش بس هتشوف ضلها أو انعكاسها ثلاثي الأبعاد في العالم بتاعنا.. لأ.. أنت هتقدر تشوف أشكالها الحقيقية رباعية الأبعاد!!.. ودي بالنسبالك ممكن تبقى تجربة تسببلك جنون تام، وتحرق عقلك من كتر ما هو مش قادر يستوعب أو يعالج مشهد زي ده!!
تخيل إنك فجأة بقيت تقدر تشوف كائنات تانية ممكن تبقى موجودة جنبك في نفس اللحظة اللي أنت بتقرأ فيها المقال، وبتقرأه بعيونها رباعية الأبعاد معاك.. عالم كامل مختلف وأكبر من اللي انت عايش فيه بما لا يقاس، وأنت متعرفش عنه ولا عن وجوده أي حاجة إلا من كلمات القرآن وباقي الكتب السماوية اللي وصفتهولك!!
تفتكر لو ده حصل هيبقى رد فعلك أيه؟!.. وإزاي الكائنات دي ممكن تبانلك أو تظهرلك أصلًا، وممكن يبقى شكلها عامل إزاي؟!.. هل هي شبهنا بيولوجيًا وتشريحيًا، ولا شكلهم مرعب أكتر بكتير من أي حاجة ممكن نتصورها أو نستوعبها؟!!
***
لو المقال ده عجبك و وسع نظرتك وتفكيرك للكون، ف حابب أفكرك إنه نتاج مجهود عقلي وفكري وزمني كبير وطويل.. فلو حابب تدعمني، ممكن تعمل ده من خلال الشير للمقال عشان ينتشر وناس أكتر تقرأه وتتبسط..