لو أنت لسه مش عارف الحدث التاريخي العظيم اللي حصل ، ف خليني أقولك إن إيلون ماسك وشركته Space-X قدروا أخيرًا ولأول مرة في التاريخ يطلقوا سفينة الفضاء الأولى من نوعها في العالم Starship ويرجعوها تاني للأرض بنجاح وبدون ما تنفجر، عشان يفتحوا الباب لعصر جديد من تكنولوجيا السفر في الفضاء واستيطان الكواكب.
بص يا سيدي.. الموضوع كله بدأ مع خطط رجل الأعمال المعروف إيلون ماسك Elon Musk صاحب شركة تكنولوجيا الفضاء والصواريخ Space-X، لعمل أول مستعمرة بشرية على المريخ.. الراجل ده عنده خطة طموحة جدًا إنه يبعت أول رواد فضاء بشر على سفينة فضاء لكوكب المريخ سنة 2024 أو 2026 حسب التقارير، وده تمهيدًا لإنشاء أول مستعمرة بشرية معتمدة على نفسها اعتماد كامل Self Sustained على الكوكب الأحمر بحلول سنة 2050.. والهدف ده هو طول عمره معتبره رسالته في الحياة..
بس عشان يقدر يعمل ده، الشركة بتاعته دخلت في أبحاث طويلة جدًا على تصميم مركبة فضاء حقيقية زي اللي بنشوفها في أفلام الخيال العلمي.. صاروخ يقدر يطلع للفضاء، وبعدين يرجع تاني للأرض ويهبط عليها بسلام من غير ما يتدمر ولا ينفجر.. يعني يبقى قابل لإعادة الإستخدام مرات تانية عديدة..
وطبعًا، الحلم ده كان عبارة عن معجزة هندسية حقيقية بقالها عشرات السنين بيحاول أكبر علماء العالم في أكبر وكالات الفضاء وهندسة الصواريخ إنهم يوصلوله.. مؤسسات زي ناسا NASA ووكالة الفضاء الأوروبية ESA ومؤسسة أبحاث الفضاء اليابانية JAXA كانوا بيحاولوا بقالهم كتير جدًا يكسروا المستحيل، ويوصلوا لتصميم حقيقي للصاروخ ده.. وفي سبيل الغاية دي، صرفوا كتير جدًا، ومولوا مشاريع مالهاش عدد ولا حصر..
لحد ما ناسا جت عليها الفترة الحالية بتاعت العصر الحديث، والميزانية بتاعتها قلت جدًا بسبب السياسات الأمريكية اللي بتفضل الاستثمار بشكل أوسع في مجالات تانية زي المجالات الحربية والعسكرية بتاعت الجيش، والصحة والتعليم وغيرهم.. وطبعًا ده كويس بالنسبة للمواطن العادي، بس كان معناه إن التفوق الأسطوري اللي كانت ناسا وصلتله في الستينات والسبعينات والتمانينات من القرن اللي فات مع مهمات (أبوللو Apollo) بتاعت الهبوط على القمر، أصبحت حلم بعيد عشان مبقاش معاهم فلوس تكفي تمويل برنامج طموح زي ده في العصر الحديث.. ده غير رحلات بشرية للمريخ عشان دي قصة تانية لوحدها..
يعني مثلًا حسب آخر إحصائية اتعملت في سنة 2020، فالتمويل بتاع ناسا كله أول عن آخر وصل لحوالي 22.629 مليار دولار.. ولو أنت مش مدرك قد ايه الرقم ده صغير، ف خليني أقولك إنه يمثل حوالي 0.48 % من إجمالي التمويل والمصروفات بتاعت الحكومة الأمريكية!! تخيل بقى الإجمالي كام!!
طبعًا مع رقم صغير زي ده، كان مستحيل على ناسا انهم يطلقوا برنامج مهمات جديد لكواكب أخرى زي مشروع أبوللو Apollo بتاع القمر.. ف بدأوا بدلًا من ده يمولوا الشركات الأخرى الخاصة اللي طلعت على ساحة الإقتصاد والأعمال العالمية عشان تشتغل في تكنولوجيا الصواريخ والسفر في الفضاء، أو زي ما بيسموها (المهمات البين كوكبية Interplanetary Missions)..
ومن الشركات دي كانت مؤسسة Space-X اللي بيمتلكها رجل الأعمال الأكثر شهرة في العالم إيلون ماسك Elon Musk، واللي يعتبر حاليًا ثاني أغنى رجل في العالم بعد جيف بيزوس Jeff Bezos مالك ومؤسس مجموعة شركات أمازون Amazon العالمية.. خلي بالك إنه كان واصل لإنه عدى جيف بيزوس من فترة، وأصبح الأغنى في العالم، بس حصله دروب كده رجعه للمركز التاني..
المهم.. مش موضوعنا.. خلينا ف المهم..
شركة Space-X بقى يا سيدي عملت تصميمات كتير لصاروخ ينفع يتم إعادة استعماله بعد ما يطلع للفضاء.. الموديلات دي كان اسمها Starship، وكان كل نموذج إختباري أو Prototype بيتم تصميمه منها له إسم كودي.. وبدأوا فعلًا الإختبارات الأولية من سنين عدت على الموديلات الأولى بدون نجاح يذكر..
وده بسبب إن النماذج الأولانية كان لسه فيها قصور ف التصميم بيخليها تنفجر قبل ما تنطلق، أو تنفجر وهي في الهواء، أو يحصلها مشاكل تخليها غير قابلة للاستعمال.. عندك مثلًا الأربع نماذج اللي عملولهم اختبارات في ال 6 شهور اللي فاتوا، اللي هما إسمهم بالترتيب:
SN8 – SN9 – SN10 – SN11
حد هيسألني الرمز SN ده بيدل على أيه، والإجابة إنه إختصار لكلمة Serial Number، والرقم بيرمز لعدد النماذج الاختبارية اللي جت قبل منه.. ده مفهوم طبعًا..
النماذج دي كلها يا معلم انفجرت بلا استثناء والموضوع كان واصل لمرحلة إن Space-X كانت بدأت تخسر فلوس كتير بسبب ده، عشان تصميم الصواريخ دي مكلف فعلًا.. عندك SN8 و SN9 انفجروا وهما بيحاولوا يهبطوا بعد ما تم إطلاقهم في الغلاف الجوي.. و SN10 هبط بنجاح، بس مقعدش دقيقتين وانفجر عشان واحد من القواعد بتاعته انكسرت بعد عملية الهبوط.. وSN11 اتعملت عليه تعديلات كتير مكلفة عشان يتلافوا أخطاء النماذج اللي فاتت..
قوم أيه؟!.. إنفجر قبل حتى ما يلمس الأرض
ف طبعًا كان واضح للناس اللي بيتابعوا سباق تكنولوجيا السفر في الفضاء في جميع أنحاء العالم، إن حلم الوصول للقمر والمريخ على متن أول سفينة فضاء حقيقية قابلة لإعادة الاستعمال بدأ يبقى مجرد خيال عمره ما هيتحقق.. والناس بدأت تفقد حماسها..
بس ناسا مسكتتش، وقررت إنها تدي ل Space-X منحة مالية ضخمة قدرها حوالي 3 مليار دولار عشان يعملولهم تصميم من Starship قادر انه ياخد رواد فضاء للقمر مرة تانية، ضمن مشروع جديد طموح بيحضروله بقالهم فترة إسمه مشروع (أرتميس Artemis).. ف ده طبعًا خلى الشركة تتحمس أكتر لإنهم يوصلوا لحلمهم، ويكملوا شغل أكتر على نماذج الاختبار بتاعتهم..
وطبعًا مين بقى اللي معجبوش ان ناسا تدي المنحة ل Space-X؟!.. جيف بيزوس طبعًا الراجل ده من فترة بردو أسس شركة منافسة ل Space-X وبردو متخصصة ف تكنولوجيا الفضاء، اسمها Blue Origin.. وكان بيتنافس هو وإيلون ماسك في الحصول على عقود الشغل من المؤسسات الحكومية والقومية الكبرى اللي زي ناسا وزي الجيش الأمريكي.. ف لما لقى إيلون ماسك قفش فلوس من ناسا، علطول طلع على المحكمة وقدم اعتراض رسمي على منح المنحة والعقد الضخم ده ل Space-X..
راجل غيور وقفوش أوي
ف طبعًا اللي عمله ده أدى لإن ناسا توقف الشغل على مشروع السفينة القمرية بتاعت (أرتميس) اللي سموها HLS، لحد ما يتم النظر في التظلم بتاع بيزوس.. بس برغم كده، إيلون ماسك كمل شغل على نماذج Starship عشان يقدر يوصل للي هو عايزه.. وفي سابقة نادرة وفريدة من نوعها، خد من إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية Federal Aviation Administration أو اللي بيسموها ال FAA، تصاريح بإطلاق 3 نماذج جديدة من Starship، هما SN15 و SN16 و SN17.. ودي حركة نادرة شبه مبتحصلش أصلا مع أي حد!!
وفعلًا، بعد آخر تعديلات حصلت على النموذج SN15، تم إطلاقه يوم الأربعاء الساعة 6:24 بالليل، من منشأة إطلاق خاصة ب Space-X في مدينة بوكا تشيكا ف تكساس.. وكان الإطلاق ده هو الحلم المنتظر بقاله فترة طويلة جدًا
الصاروخ طار وارتفع في السماء لأكتر من 10 كيلومترات تقريبًا باستعمال ال 3 محركات الضخام بتوعه اللي بيسموهم محركات Raptor، وبعدين قفل المحركات بتاعته، وبدأ يسيب نفسه عشان يسقط على الأرض مرة تانية.. وساعتها وكالات الفضاء في العالم كله كانوا بيتفرجوا على البث مباشر وهما حاطين إيديهم على قلبهم.. اللي نفسه النموذج ينجح واللي نفسه يفشل، واللي نفسه ف كوباية شاي بلبن.. خيالات وأحلام كتير كانت بتسبح ف دماغهم ساعتها.. لحد ما الصاروخ بدأ يقرب من الأرض..
وساعتها، بدأت عملية الهبوط المميزة بتاعت Starship.. اتنين من محركات Raptor الصاروخية النفاثة اشتغلوا وبدأوا يوجهوا الصاروخ باستعمال تقنيات ذكاء اصطناعي متطورة، عشان يخلوه ينزل بشكل عمودي مستقيم على منصة الهبوط Landing Pad بدون أي أخطاء.. المرحلة اللي دايمًا كانت بتفشل قبل كده.. بس المرة دي نجحت أخيرًا
ونجاحها ده كان إيذان ببدء عصر جديد في مجال تكنولوجيا السفر في الفضاء واستيطان الكواكب الأخرى.. عشان هو مش بس هيقلل تكلفة الإطلاق بتاعت المهمات بقدر خيالي، بل هو كمان هيخلي عمليات إرسال رواد الفضاء للقمر أو المريخ أو حتى محطة الفضاء الدولية ISS أكثر أمانًا وعملية بما لا يقاس.. وبالتالي هيمهد الطريق للمستعمرات البشرية على القمر والمريخ في خلال السنين الجاية..
هيمهد قدامنا الطريق أخيرًا لإننا نخرج من كوكبنا الصغير، ونسبح ونسافر وسط الفضاء المظلم الغامض، عشان نكتشف أسراره المستخبية بعيد عن عيوننا وخيالاتنا منذ فجر الزمن وبداية الكون نفسه.. وكل ده بدأ بعد الهبوط التاريخي ده إمبارح، وإعلان إيلون ماسك عن نجاحه لأول مرة في التاريخ بالتويتة الأيقونية اللي كتبها إمبارح على حسابه الشخصي في تويتر:
“Starship landing nominal!”
3 كلمات بس بدأوا عصر جديد في حياة البشر على كوكب الأرض حرفيًا!!.. وكل ده بسبب طموح رجل أعمال ريادي عظيم، نقل بابتكاراته وطموحه الجنس البشري لمرحلة جديدة حرفيًا.. رجل إسمه إيلون ماسك
بقلم الكاتب : محمود علام