تعالى أحكيلك على حاجة مذهلة.. تعرف إن شكل الكون والكواكب والنجوم والمجرات اللي أنت بتشوفه في السما ده، مش هو شكله الحقيقي، وإن الكون الحقيقي عبارة عن شبكة عنكبوت ضخمة جدًا من الغازات، بتمتد لحدود ومسافات لا تُستوعب؟!!
طب تعرف إن –لأول مرة في التاريخ– علماء الفلك التابعين لوكالة الفضاء الأوروبية أو الـ ESA، قدروا يصوروا جزء من الشبكة الكونية العملاقة دي، باستعمال مرصد فلكي متطور، وإننا لأول مرة نقدر نشوف شكل أضخم أشياء في الكون، اللي هي خيوط الغازات الضخمة اللي بتحتوي على المجرات نفسها؟!!.. تعالى بقى أحكيلك على الإكتشاف المبهر ده، و أوريك لأول مرة شكل الكون الحقيقي اللي عينك مبتقدرش تشوفه لما بتبص على السما
كوباية شايك الحلوة ف إيدك، وهات النعناع : وتعالى أسحلك ف موضوع هيغير نظرتك لشكل الكون الواسع للأبد.. وهقسملك الموضوع على فقرات عشان تركز معايا ومتتوهش، وتشوف شكل الإكتشافات المبهرة اللي المجتمع العلمي بيتكلم عليها حاليًا
بص يا سيدي.. الموضوع كله بدأ بالصورة اللي أنت شايفها قدامك دي.. الصورة دي مشهورة جدًأ في أوساط علم الفلك، وإسمها (Hubble Ultra Deep Field).. ودي لقطها تليسكوب هابل الفضائي Hubble Space Telescope العظيم ما بين 24 سبتمبر سنة 2003 لحد 16 يناير 2004.. واللي أنت شايفه ف الصورة ده هو ناتج تصوير بقعة معينة من الفضاء لمدة 11.3 يوم متواصل، من خلال التليسكوب اللي بيسبح في الفضاء حوالين الأرض!!.. يعني عشان تتلقط الصورة دي بالدقة دي، التليسكوب فضل يصور فيها لمدة 400 دورة كاملة حوالين الأرض!!
اللي باين في الصورة قدامك هو أكتر من 10 آلاف مجرة!! ما بين الضخمة والصغيرة، القديمة والجديدة.. على سبيل المثال، النقط الحمرا اللي في الصورة دي (اللي عددها 100 تقريبًا) هي أبعد مجرات معروفة لعلم الفلك، اتكونت لما كان عمر الكون أقل من 800 مليون سنة بس!!.. بينما المجرات الأقرب شوية، اللي أنت شايفها واخدة شكل واضح، أو ألوان مختلفة عن الأحمر، دي كانت موجودة لما عمر الكون كان مليار سنة أو أكتر شوية.. ولحد دلوقتي الصورة دي تعتبر أشهر صورة في علم الفلك كله تقريبًا، اتعملت عليها دراسات لسنين طويلة جدًا، وساهمت في تقدم علوم الفضاء، ونظرة البشر نفسها للكون كله، بما لا يُقاس..
طب كويس.. أيه علاقة الصورة دي بالموضوع؟!
شوف الصورة دي
من ساعة ما الصورة دي اتلقطت، والناس كانوا فاكرين إن أكبر شكل أو بناء معروف في الكون هو المجرات الضخمة دي.. لكن مع زيادة الدراسات والأبحاث اللي اتعملت في الفيزياء الكونية، خصوصًا على النماذج بتاعت تكون المجرات اللي طلعت كنتيجة لنظرية الإنفجار الكبير Big Bang Theory، كان العلماء عارفين إن سبب تكون المجرات دي في الواقع هو الإندماج ما بين شبكات كبيرة من الغازات، خصوصًا الهيدروجين، ممتدة بعرض الكون كله، بتربط ما بين المجرات كلها تقريبًا زي شباك العنكبوت..
وهي دي اللي بتندمج مع بعضها وتتكون منها النجوم زي الصورة كده وبعدين النجوم بتتجمع مع بعض وتكون المجرات، وبتدي للكون شكله وخواصه.. بس محدش كان قادر يصور الشبكة دي أو يشوفها بتليسكوب عشان الضوء اللي جاي منها خافت جدًا، والتكنولوجيا البشرية مكانتش اتطورت بالشكل الكافي لرصد شيء زي ده..
ومن هنا بقى، جه اللي هتشوفه في الصورة الجاية ده
ده يا سيدي تليسكوب تابع لوكالة الفضاء الأوروبية ESA، إسمه (التليسكوب شديد الضخامة Very Large Telescope)، أو اختصارًا VLT.. وبرغم إن اسمه ممكن يخليك تفتكر إنه حاجة صايصة ومالهاش أي تلاتين لازمة، فخليني أقولك إنه في الواقع واحد من أهم التليسكوبات والمراصد الفلكية الموجودة على كوكب الأرض.. وموقعه هو في دولة تشيلي في أمريكا الجنوبية..
المهم.. التليسكوب ده يا سيدي قدر على مدار تاريخه يصور حاجات مبهرة فعلًا، وأثبت نفسه جامد.. ف قرروا يلاعبوه ف المنتخب بقى.. اللي هو ليه منستخدمش الـ VLT في تصوير نفس البقعة اللي تليسكوب هابل الفضائي لقط فيها الصورة الشهيرة بتاعته، ونشوف أيه اللي ممكن نطلع بيه؟!
بس عشان يعملوا ده، كانوا لازم يطوروا جهاز جديد عشان يقدروا يلقطوا النور شديد الخفوت من الشبكة الكونية اللي نفسهم يرصدوها دي.. ومن هنا جه دور الجهاز اللي هتشوفه في الصورة الجاية ده
ده يا سيدي جهاز إسمه Multi-Unit Spectroscopic Explorer أو اختصارًا MUSE.. اتصمم من مركز البحوث الفيزيائية الفلكية في ليون بفرنسا أو اختصارًا CNRS.. وهو عبارة عن معجزة هندسية..
ده زي أداة بتزود قدرة التليسكوب على التقاط الأضواء الخافتة لدرجة مذهلة، من خلال إنه بيقسم الضوء من كل نقطة في الصورة ويحلله للألوان الأساسية المكونة له، عشان يعمل حاجة إسمها طيف أو Spectrum .. وبعدها يقدر علماء الفلك من خلال دراستهم للألوان المختلفة اللي بتكون الطيف ده، إنهم يقيسوا المسافة والألوان والخصائص التانية لكل المجرات اللي هيقدروا يصوروها من خلال التليسكوب، بما فيها المجرات الكتير اللي مش باينة لتليسكوب هابل بسبب خفوت الضوء الي جاي منها..
ده غير كمان إنه مزود بأضواء ليزر شديدة القوة بيتم توجيهها على السماء عشان تساعد في توجيه الـ Focus بتاع عدسات التليسكوب على المكان اللي عايزين يصوروه، وتلغي التشوهات اللي بيعملها غلاف الأرض الجوي في شكل الصور بتاعت الفضاء الخارجي.. يعني باختصار، الـ MUSE ده بيخلي التليسكوب اللي يتركب فيه يصور صور أكثر وضوحًا بكتير جدًا، لدرجة مينفعش نقارن بيها أصلًا.. كإنك بتقارن بين جودة قناة توك توك بتاعت الأفلام المسروقة من إيجي بيست، والجودة اللي بيوفرها إشتراك Netflix العالي بتاع الـ 4K.. أكيد أنت فاهمني يعني..
طيب نكمل.. بص ع الصورة الجاية
الجهاز بتاع MUSE ده يا سيدي خلص تصميمه سنة 2014، وبعد كده تم تركيبه في تليسكوب VLT العظيم في سنة 2017، زي ما أنت شايف في الصورة دي.. ولما اتركب، كانت دي بداية عصر جديد في التقاط الصور بدقة غير مسبوقة للفضاء.. وهو ده اللي كان التمهيد لالتقاط الصورة المبهرة الجاية اللي هتشوفها دي
نرجع لموضوعنا.. من خلال توجيه تليسكوب VLT المزود بتكنولوجيا MUSE الجديدة دي، لنفس البقعة من الفضاء اللي اتصورت فيها الـ Deep Field بتاعت تليسكوب هابل، قدروا يلقطوا الصورة المبهرة اللي أنت شايفها قدامك دي، واللي سموها MUSE Extremely Deep Field
ناتج أكتر من 140 ساعة متواصلة من التصوير والـ Exposure، الصورة دي قدرت تتجاوز الرقم القياسي اللي عملته الـ Deep Field بتاعت هابل، من خلال حاجتين.. الأولى إنها تظهر 40% من المجرات الخفية اللي مكانتش متشافة بتليسكوب هابل..
والتانية هي الحاجة المبهرة أكتر.. لأول مرة في التاريخ، قدروا يصوروا جزء من الشبكة العنكبوتية اللي بتكون الكون كله، اللي هي عبارة عن خيوط طويلة من الهيدروجين والغازات الأخرى، تمتد لمليارات السنين الضوئية حرفيًا، وهي اللي بتتكون بداخلها المجرات الكبرى اللي احنا بنشوفها في السماء!!
إضغط على التالي لتكملة المقال <><>
اللي أنت شايفه قدامك ده هو النتيجة الطبيعية للتطور البشري، اللي بيفتح عيوننا يوم بعد يوم على حقايق ومعجزات محدش كان يقدر يتصور إننا ممكن نشوفها ف أعمارنا البشرية القصيرة اللي لا تذكر بالنسبة لعمر الكون العظيم
حتى القائد بتاع البحث اللي اتعمل عشان يطلع الصورة دي، اللي هو البروفيسور الفرنسي رولاند بيكون Roland Bacon أستاذ البحث الفلكي في المركز القومي للأبحاث العلمية بفرنسا، قال إن الصورة دي والحدث ده كان هو بمثابة (الكأس المقدسة Holy Grail) اللي بيجري وراها علماء الفلك كلهم، منذ بداية اكتشاف نماذج تكون المجرات ونظرية الانفجار الكبير من أكتر من 40 سنة.. إنجاز في علم الفلك وتصوير الفضاء يقدر أهميته بأهمية نظرية النسبية كده في علم الفيزياء النظرية!! واتنشر ف ورقة بحثية ضخمة
وكل ده أنت –عزيزي القاريء– شايفة بعينك دلوقتي من على شاشة موبايل أو لابتوب، وأنت قاعد مستريح ف بيتك، بتقول سبحان الله
ولسه مش ده أكتر حاجة مبهرة.. دي مجرد صورة لبقعة صغيرة جدًا من الفضاء.. تخيل بقى شكل الشبكة العنكبوتية الكبيرة اللي بتكون الشكل الفعلي للكون الكبير اللي أنت متقدرش تستوعب وجوده!!
الصورة دي يا سيدي هي المعجزة الحقيقية، اللي أنت كبشري صغير وضعيف متقدرش ترتقي بنظرك لدرجة قوة كافية إنك تشوفها!!
دي عبارة عن صورة مصنوعة ببرامج المحاكاة، لشكل جزء صغير يقدر بمسافة 15 مليون سنة ضوئية من الكون الفعلي المختفي وراء ستارة الفضاء المظلمة اللي انت بتشوفها لما ترفع عينك على السماء..
ملايين الخيوط الطويلة الممتدة ما بين أطراف الكون كله حرفيًا، بتنقل الغازات الأولية اللي بتأدي لتكون النجوم نفسها، اللي هي وحدة البناء الأساسية للمجرات اللي بتتجمع منها فيما بعد!!
شبكة كبرى ممتدة على حدود لا تستوعب، ممكن الخيط الواحد فيها يبقى طوله مليارات السنين الضوئية حرفيًا.. بيربط ما بين أجزاء الكون البعيدة كإنه صمغ كوني مالوش وصف.. وكل نقطة أنت شايفها عليه، هي مجرة كاملة
عايز تنبهر أكتر وتشوف شكل الكون المرئي كله، بأبعاده المختفية بعيد عن عينك جوه الشبكة دي؟.. شوف الصورة الجاية
اللي قدامك ده مش صورة شبكة عنكبوت عادية.. لأ.. ده شكل الكون المنظور كله!! |
شبكة عنكبوت ضخمة وهائلة الحجم بشكل لا يستوعب ممتدة على مليارات السنين الضوئية، بتتكون من سحب عملاقة من الهيدروجين والغازات الأولية اللي بتتجمع مع بعضها مع الوقت عشان توفر الوقود الكافي لتكوين النجوم.. السحب دي بيسموها ال Primordial Gasses أو ال Nebula..
تخيل بقى عدد الأبعاد العلوية اللي إحنا منقدرش نحس بيها أو نستوعبها، المحيطة بالشبكة العملاقة اللي احنا عايشين ف (بيكسلاية) صغيرة منها دي!!.. طب تخيل قدرة الخالق العظيم اللي قدر ينسج الشبكة العملاقة دي، ويخلقها من العدم حرفيًا.. أي قوةٍ تلك، وأي قدرة؟!
شوف الصورة الجاية
تخيل كمان إن ده الكون المنظور بس!! يعني المساحة من الكون اللي الضوء اللي خرج منها لحق يوصلنا هنا على الأرض.. لسه في مليارات وتريليونات السنين الضوئية اللي مقدرناش نشوفها عشان لسه النور بتاعها موصلناش أصلًا.. يعني تقدر تقول إن اللي قدامك ده هو مثلًا 1% من اللي موجود بالفعل، واللي بيكبر ويتعاظم حجمه مع مرور كل ثانية بتمر عليك وأنت بتقرأ السطور دي!!
متهيألي مفيش حاجة تقدر تقولها بعد ما قرأت الكلام ده، غير سبحان الله العظيم
بقلم : محمود علام