تعرف إن في علماء من دولة المجر، أعلنوا لأول مرة اكتشاف جسيم ذري، بيقولوا إنه بيثبت وجود قوة خامسة وجديدة في الطبيعة محدش كان يتخيل وجودها، غير القوى الأربعة اللي احنا نعرفهم في علم الفيزياء؟!
طب عارف إن لو الموضوع ده طلع صح وحقيقي، فهو مش بس ممكن يحل ألغاز الفيزياء الحديثة اللي محيرة العلماء بقالها أكتر من قرن، ويثبت إن في أكوان متوازية وعوالم أخرى إحنا منعرفش عنها حاجة، لأ ده الإكتشاف ده ممكن يفتح قدامنا الطريق لتوحيد علوم الفيزياء كلها مع بعض!!
طب أيه اللي حصل، وإزاي بقى؟!
بص يا سيدي.. الموضوع بدأ في سنة 2015، لما كان في فريق من العلماء المجريين، بيعملوا تجارب باستعمال مستشعر حساس شغالين عليه، وكانوا بيدوروا على أي آثار أو دلائل على وجود المادة المظلمة Dark Matter.. اللغز الكبير الموجود في علم فيزياء الكونيات دلوقتي، اللي هو عبارة عن مادة غير مرئية تمامًا، ما بنشوفهاش إطلاقًا، بس بتكون هي والطاقة المظلمة Dark Energy أكتر من 95% من حجم الكون كله!!.. تخيل أنت إن كل النجوم والمجرات اللي انت بتشوفها لما بتبص على السماء دي، وكل مساحات الكواكب والشموس والأقمار، دي كلها بتشكل أقل من 5% بس من حجم الكون!!
المهم.. الناس دول كانوا بيحاولوا يدوروا على حل لمشكلة المادة المظلمة دي، أو يلاقوا الجسيمات الذرية اللي بتكون المادة دي.. بس اللي لقوه في الواقع، كان مفاجأة حقيقية أكبر من اللي هما كانوا متوقعينها..
فريق العلماء دول، كانوا في الواقع بيعملوا تجربة ذرية معقدة، ومليانة تفاصيل مش هنخوض فيها كتير.. بس باختصار اللي كانوا بيعملوه هو إنهم بيطلقوا أسراب من البروتونات Protons الأولية، على لوح رفيع جدًا من الليثيوم – 7، باستعمال مسرع ذري صغير زي اللي موجود في مُعَجِّل سيرن التصادمي الهائل LHC بتاع سويسرا كده.. المهم.. طبعًا هتسألني هما كانوا بيعملوا كده ليه؟!.. أيه التسلية الغريبة دي؟!
الموضوع مكانش تسلية يا صديقي.. بل هما في الواقع كانوا بيحاولوا يشوفوا المركبات الأساسية اللي بتتكون منها الذرات اللي احنا نعرفها.. يعني لما كان واحد من البروتونات بتاعتهم دي بيخبط في اللوح بتاع الليثيوم، كان بيخليه يتحلل لعنصر البريليوم – 8.. وبسبب ده، نتج فائض من الإلكترونات والبوزيترونات Positrons.. طبعًا هتسألني يعني أيه البوزيترونات دي، هقولك هي هي نفسها الإلكترونات، بس شحنتها معكوسة.. يعني الإلكترونات كلنا عارفين إنها سالبة الشحنة صح؟!.. أهو البوزيترونات دي بقى موجبة.. وتعتبر هي المادة المضادة بتاعت الإلكترونات..
المهم إن التحلل ده كان متوقع، وهو الطبيعي اللي بيحصل لما عنصر أتقل يتحلل لعنصر تاني.. العنصر بيفقد قدر من الطاقة بتلقطه وتسجله أجهزة الإستشعار، والطاقة دي بتبقى عبارة عن الإلكترونات والبوزيترونات دي، اللي بعد كده بيتصادموا مع بعض ويتحللوا ويتلاشوا تمامًا.. زي ما تكون بتجمع واحد موجب مع سالب واحد في نفس اللحظة.. الناتج هيكون صفر..
بس اللي مكانش متوقع بقى، هو إنهم لقوا طاقة إضافية، غير اللي هما كانوا متوقعين يلاقوها!!.. الطاقة الزيادة دي مكانتش جاية من تحلل الإلكترونات ولا البوزيترونات!! وكان معنى كده إن في جسيم جديد تمامًا على علوم الفيزياء، لسه محدش اكتشفه قبل كده، نتج عن التحلل اللي هما عملوه ده!!.. وبقياسهم للجسيم ده، طلع إن وزنه يساوي أقل من واحد على خمسين، أو 0.02% من وزن البروتون العادي!!.. يعني خفيف وصغير لدرجة لا تستوعب!!.. زي الفرق بين حجم الشمس وحجم الأرض كده!!
وده كان معناه حاجة مهمة جدًا.. إن الجسم ده مش مجرد جسيم ذري طبيعي.. لا ده عبارة عن حاجة إسمها بوزون Boson.. اللي هي الجسيمات الذرية متناهية الصغر، اللي بتنقل القوى بتاعت الطبيعة نفسها!!
طب إزاي؟!
هما أيه القوى الأربعة بتاعت الطبيعة اللي إحنا عمالين نتكلم عليهم دول بس الأول؟!
دول يا سيدي القوى اللي بتدي للكون اللي حوالينا ده الشكل اللي بنشوفه بيه.. أول إتنين هتكون أنت عارفهم وبتتعامل معاهم كل يوم، الأولى هي الجاذبية Gravity اللي بتشدك للأرض وتخليك تقدر تمشي طبيعي، وبتخلي الكوكب كله يقدر يدور حوالين الشمس، والتانية هي القوة الكهرومغناطيسية Electromagnetism اللي بتدي للكهرباء بتاعتنا خواصها، وهي اللي بتخلينا نقدر نشوف الضوء اللي حوالينا، ونفتح اللمبة ف الأوضة تنور، ونلزق المغناطيس أبو تفاحة على باب التلاجة
الإتنين التانيين مش بتشوفهم بعينك عشان هما بيشتغلوا على المستوى الذري، بس بتقدر تلاحظ تأثيرهم على اللي حواليك.. الأولى هي قوة )التفاعل النووي القوي Strong Nuclear interaction) اللي هي بتخلي المادة الفيزيائية تبقى لازقة ف بعضها، وهي اللي بتدي للأجسام تماسكها الذري.. يعني القوة دي هي اللي بتخلي جسمك مربوط ببعضه على المستوى الذري.. هي اللي بتدي للخشب شكله، وللحديد تماسكه وصلابته، وللمطاط مرونته، وللمية كثافتها وتماسكها.. يعني السبب اللي بيخليك لو خبطت ف حيطة متدخلش جواها، هو القوة النووية القوية اللي بتبقى محافظة على تماسك الذرات وبتخليها متتكسرش إلا بعد بذل طاقة عشان تكسرها..
والقوة التانية اللي هي قوة (التفاعل النووي الضعيف Weak Nuclear interaction).. ودي يا سيدي اللي بتحفظ تماسك الذرات نفسها من جواها، وهي اللي بتخلي الجسيمات الذرية تقدر تتحلل وتطلع إشعاعات، وتقدر تتفاعل مع بعضها.. وهي اللي بسببها نقدر نعمل أي روابط كيميائية أو فيزيائية، أو حتى قنابل نووية وإشعاعية!!
كده أنت عرفت القوى الأربعة بتاعت الطبيعة.. الجاذبية والكهرومغناطيسية والتفاعل القوى والضعيف.. طب أومال أيه بقى البوزونات Bosons دي بالظبط، وليه هي مهمة كده؟! <><>
البوزونات دي يا سيدي هي المسئولة عن نقل القوى الأربعة بتاعت الطبيعة دي!!.. يعني تقدر تفكر فيها على إنها الحبل اللي بيربط ما بين مكونات الذرة والطبيعة نفسها.. هي مثلًا الحبل اللي بيربط الذرات ببعضها ف حالة التفاعل النووي القوي، وهي الحبل اللي بيربط الذرة نفسها من جوه في حالة التفاعل الضعيف.. وهي الحبل اللي بيشدك للأرض تاني لو أنت نطيت من مكان عالي في حالة الجاذبية، و هي الحبل اللي بيربط ما بين تفاعلات الإلكترونات المغناطيسية مع بعضها في حالة القوة الكهرومغناطيسية..
وحتى في كل قوة من الطبيعة؛ هتلاقي البوزون المسئول عن نقلها ده له إسم!!.. يعني مثلًا القوة الكهرومغناطيسية مسئول عن نقلها بوزون صغير جدًا إسمه الفوتون Photon.. وهو ده المكون الرئيسي للضوء والأشعة الضوئية اللي بتشوفها بعيونك.. اللي أنت بتشوفه بينور ده هو الفوتونات!!.. عندك كمان التفاعل القوي مسئول عنه بوزونات صغيرة إسمها (الجلونات Gluons).. والتفاعل الضعيف مسئول عنه بوزونات بردو إسمها (بوزونات W وبوزونات Z)..
طب أومال الجاذبية؟!..
الجاذبية يا سيدي لسه ما اكتشفناش البوزون اللي بينقلها، وده عشان هي أضعف قوة في وسط القوى الأربعة بتاعت الطبيعة.. طبعًا أنت مستغرب وهتسألني إزاي الجاذبية أضعف قوة، وساعتها هجاوبك إجابة بسيطة.. عايز تعرف الفرق ما بين قوة الجاذبية، وقوة التفاعل النووي القوي مثلًا، قارن ما بين الطاقة والمجهود اللي هتبذله عشان تنط لفوق نص متر مثلًا، والقوة والمجهود اللي هتحتاجه عشان تقدر تكسر سيخ حديد بإيدك!!.. أكيد أنت فهمت دلوقتي..
وبردو مش معنى إننا لسه مشوفناش البوزون بتاع الجاذبية ده إنه مش موجود أو مفيش فرضية فيزيائية لوجوده.. لأ هو المفروض البوزون بتاع الجاذبية إسمه (الجرافيتون Graviton).. بس لسه محدش قادر يشوفه عشان أكيد هيبقى ضعيف جدًا..
طب أيه علاقة كل ده بقى، بالبوزون الجديد كليًا اللي اكتشفه الفريق المجري ده؟!
المذهل بقى عزيزي القاريء، هو إن البوزون الجديد اللي اكتشفه العلماء دول، وسموه (جسيم إكس 17) أو (X-17 Particle)، هو إنه حسب المواصفات الفيزيائية ليه اللي قدروا يقيسوها باستعمال أجهزة الإستشعار بتاعتهم، قبل ما يختفي تمامًا، فهو غير مشابه لأي واحد من البوزونات المسئولة عن القوى الأربعة التانية!!
يعني كده غالبًا البوزون ده مسئول عن قوة خامسة جديدة، محدش فينا شافها قبل كده، ومحدش فينا أصلًا يستوعب وجودها!!.. أصل إزاي هنتخيل وجود حاجة جديدة ف الطبيعة غير الأربعة اللي اتكلمنا عنهم في الصورة اللي فاتت دول؟!
وطبعًا ده معناه حاجة مذهلة.. معناه إن الكون اللي إحنا شايفينه بعيوننا ده، وكل الطبيعة اللي بتحوطنا على مرمى البصر دي، هي مش أكتر من حاجة بسيطة جدًا، بالنسبة للحجم الفعلي للكون الموجود فعلًا، واللي احنا مش مستوعبين وجوده.. كإنه بحر كبير، وإحنا وعلومنا فيه مش أكتر من نمل بيعوم بين الأمواج!!.. وإن ممكن تكون في قوة خامسة من قوى الطبيعة، إحنا –من كتر ما إحنا صغيرين- منعرفش إنها موجودة أساسًا.. وممكن القوة دي نفسها هي اللي تطلع مسئولة عن المادة المظلمة والطاقة المظلمة اللي اتكلمنا عليهم..وفي الحالة دي، هيطلع 95% من حجم الكون المرئي مجهول تمامًا لعلومنا الحالية!!
ممكن كمان من خلال مراقبتنا للبوزون ده وهو بيظهر ويختفي بسرعة، نقدر نفهم سبب اختفاءه، وسبب تأثيره الضعيف وطاقته القليلة جدًا دي.. على سبيل المثال، ممكن يطلع الطاقة بتاعته ظاهرالنا إنها قليلة، بسبب إن جزء كبير منها بيتسرب لأبعاد تانية من الكون من خلال أنفاق ف نسيج الكون نفسه وغير مرئية فيزيائيًا بالنسبالنا كبشر
زي الصورة اللي فوق كده وساعتها هنكون قدرنا نلمس لأول مرة في التاريخ دليل حقيقي على وجود الأبعاد العلوية، وبالتالي الأكوان المتوازية!!
ودلوقتي، اللي حصل بالظبط هو إن النتايج بتاعت الفريق المجري دي تم نشرها في واحد من أكبر المجلات العلمية في العالم، اللي هي Physical Review Letters اللي نشرت واحد من أكبر الإكتشافات العلمية في التاريخ، اللي هو إكتشاف أمواج الجاذبية Gravitational Waves من مرصد لايجو LIGO قبل كده.. وطبعًا التجربة دي تم مراجعتها من جانب الأقران Peer Reviewed وتأكدوا من صحة المعلومات والقياسات اللي فيها.. وهتلاقي الدراسة الأكاديمية بالكامل هنا لو حابب تبص عليها
واللي احنا مستنيينه دلوقتي هو إن الفرق العلمية في المختبرات العالمية التانية تشتغل على التجربة دي، وتكررها تاني بنفس المعطيات والظروف بالظبط، عشان يتأكدوا إن نفس البوزون ده هيظهر تاني.. ومنهم مثلًا فريق تابع لمختبر لوس ألاموس القومي Los Alamos National Laboratory في أمريكا، بقيادة عالمة الفيزياء النظرية دانييل ألفيس Daniele Alves.. بيحضروا دلوقتي لإنهم يعيدوا التجربة من جديد، ومستنيين بس التمويل من إدارة المعمل الشهير، اللي هو يعتبر واحد من الرائدين في مجال الفيزياء الجسيمية، من ساعة ابتكار القنبلة النووية..
ولو أكدوا الإكتشاف، وطلعت قوة خامسة للطبيعة فعلًا، فممكن دي تكون البداية لإكتشافنا أسرار المادة المظلمة والطاقة المظلمة، وكمان إكتشاف الأبعاد الأخرى للكون اللي بتفترضها نظرية الأوتار الفائقة، وكمان العوالم الموازية في ميكانيكا الكم، من خلال رصد البعد اللي بيتحلل فيه البوزون..
وده هيبقى معناه إننا يا صديقي عايشين في عالم غريب للغاية.. غريب وكبير و واسع بشكل لا يصدق، ولا يستوعب..
بقلم الكاتب: محمود علام