عمرك كنت تتخيل إن ييجي على البشر وقت في المستقبل، ويقدروا يصوروا الضوء نفسه وهو بيتحرك في الفضاء؟!! اللي انت هتقراه في المقال ده، وهتشوفه في الصور والفيديوهات هو أشبه بالسحر منه للعلم.. علم متقدم لدرجة لا تستوعب، إلى حد إننا ممكن نعتبره خيال علمي!!
أعتقد إنه مفيش بشري كان مُقدَر ليه إنه يشوف حاجة زي كده.. في خضم أعمارنا القليلة القصيرة جدًا، وضعفنا وحجمنا الصغير اللي لا يذكر أصلًا في وسط الكون العملاق الأنيق، كون إننا النهارده نقدر نتكلم عن حاجة زي دي ونشوفها بعيوننا، هو في حد ذاته خيال مذهل، ومستحيل كان حد من علماء العصور السابقة المشاهير اللي صنعوا تاريخ الفيزياء الحديثة والتقدم التكنولوجي اللي إحنا عايشين فيه حاليًا، أمثال أينشتاين وماكس بلانك ونيلز بور وشرودينجر ونيوتن، يقدر يتخيل إننا ممكن نعمله نظريًا حتى، مش يشوفه رأي العين في فيديو على شاشة كمبيوتر أو موبايل!!
أنا بس حبيت أوضحلك قد أيه انت محظوظ إنك جيت في اللحظة المناسبة من التاريخ والزمن عشان تشوف وتقرأ اللي جاي ده..
تشوف الضوء نفسه وهو بيتحرك!
كوباية الشاي الحلوة ف إيديك بقى، وعود النعناع الجميل، وخلينا نبدأ من البداية
البداية في مختبرات جامعة كاليفورنيا للعلوم والتكنولوجيا، أو اللي بيسموها (كالتِك Caltech)
واللي هي تعتبر واحدة من أكبر المختبرات البحثية والجامعات العلمية في العالم بأكمله، وأكثرها تقدمًا.. واللي كانت موطن للعديد من العلماء المشاهير أمثال ستيفن هوكينج Stephen Hawking و فرانك أوبنهايمر Frank Oppenheimer، وأيضًا مر عليها أساطير أمثال ريتشارد فاينمان Feynman وألبرت أينشتاين Einstein..
المهم.. جوه الجامعة دي بقى، في فريق من العلماء تحت قيادة (ليونج وانج Lihong Wang)، رئيس قسم التصوير البحثي والعلمي في كالتِك، واللي إسمه COIL، إختصارًا لـ Caltech Optical Imaging Laboratory.. الفريق ده قدر إنه يطور تكنولوجيا جديدة، مكنتهم من إنهم يبتكروا كاميرا، تعتبر هي أسرع كاميرا على وجه الأرض، وأكثرها تقدمًا..
الكاميرا دي بتستعمل تقنية إسمها (الفيمتو-فوتوجرافي Femto – Photography).. أيوه الفيمتو ثانية بتاعت أحمد زويل.. هي نفسها.. لو مش عارف أصلًا يعني أيه الفيمتو ثانية دي، فخليني أقولك انها عبارة عن جزء من كوادريليون Quadrillion من الثانية !.. لو مش فاهم بردو يعني أيه، فممكن نبسطها على إنها جزء من مليون من مليار جزء من الثانية!!
و الكاميرا اللي احنا بنتكلم عنها دي بتقدر إنها تصور الفيديوهات بتقنية حوالي 100 مليار فريم أو لقطة في الثانية الواحدة!
متخيل الرقم ؟.. الكاميرا بتلقط 100 مليار لقطة في ثانية واحدة بس!!.. عشان تقدر تفهم الموضوع بشكل أوضح، يكفي إني أقولك إن أقوى كاميرا عادية معروفة بتلقط الفيديوهات بسرعة 30 أو 60 أو 120 لقطة في الثانية الواحدة.. مصطلح الفريم في الثانية ده بيختصروه بـ FPS، أو Frames Per Second.. كاميرات الموبايل مثلًا بتلقط بسرعة 30 FPS، وحاليًا بدأت تتطور وتوصل ل 60 FPS.. وعندك كاميرات التصوير السينمائي القوية ممكن تلقط لحد 120 FPS، وساعات أعلى من كده بشوية صغيرين، اللي هي كاميرات الـ 4K.. لكن تخيل الفرق الشاسع مثلًا بين الكاميرا دي، وبين أقوى كاميرا موبايل معروفة، اللي هي لو هنقول مثلًا كاميرا الـ iPhone 12 Pro.. الكاميرا الجديدة اللي سموها (T-Cup) أقوى من كاميرا الأيفون بما يعادل 3 مليار مرة !
الكاميرا دي بقى بتعمل ايه بالظبط، أو أيه فكرة عملها؟!
هحكيلك..
بص يا سيدي.. الكاميرا باختصار في صورتها الأصلية، بتقدر إنها تلتقط 100 مليار لقطة في الثانية دفعة واحدة دون وجود مصدر ضوء خارجي. يعني مش محتاجة مصدر ضوئي أساسًا عشان تصور زي الكاميرات العادية.. بس اللي بيحصل ساعتها إنهم مش بيقدروا يعالجوا البيانات الناتجة عنها بشكل دقيق، بسبب عدم وجود أي جهاز كمبيوتر سريع بما فيه الكفاية إنه يجري 100 مليار عملية حاسوبية في الثانية الواحدة، عشان يقدر يعمل Save لكل اللقطات دي.. ف اللي عملوه بقى عشان يقدروا يحلوا المشكلة دي، هو إنهم ضافوا لنظام الكاميرا دائرة إلكترونية تانية متكاملة.. الدايرة الإلكترونية دي هي نوع من أجهزة الاستشعار Sensors، إسمه الجهاز المقترن بالشحن، أوCCD.. وده وظيفته إنه يقدر يساعد في حفظ اللقطات دي، بمساعدة مصفوفة أو خوارزمية رياضية أو زي ما بيسموها Matrix محسنة لإعادة بناء البيانات اللي الكاميرا بتلقطها.. الخوارزمية دي بتجمع البيانات من السينسور والعدسة بتاعت الكاميرا نفسها، عشان تقدر إنها تزود سرعة معالجة البيانات عشان تتناسب مع سرعة التقاط الفريمات..
ممكن تشوف في الفيديو دا تجربة عملية للموضوع دا
العلماء دول استعرضوا التحسينات دي في صورتها النهائية، بتصوير فيلم لومضة ليزر، سرعتها هي سرعة الضوء (299,792,458 متر/ثانية) في فترة مدتها (بيكو ثانية Pico Second)، وشافوها وهي بتتحرك عبر الهواء في مسافة ميلليمتر واحد!!
البيكو ثانية بالمناسبة هي جزء من تريليون جزء من الثانية!!
أيه فايدة تقنيات التصوير دي بقى؟
الفوايد مهمة جدًا.. وكتيرة جدًا.. على سبيل المثال، أكبر تطبيق لتقنيات التصوير دي، هيكون في المجال الطبي.. خصوصًا طب المخ والأعصاب.. عشان التقنية دي هتقدر تصور التفاعلات الكيميائية والإشارات العصبية بين خلايا المخ العصبية نفسها !.. هنقدر لأول مرة نعرف ماهية التفاعلات الكيميائية المخية بينها وبين بعض، وحتى التفاعلات الكيميائية العادية..
بإستعمال تليسكوب فائق القوة، ومعاه كاميرا الـ T-Cup، هنقدر نغوص بداخل مكونات الذرة نفسها، ونشوف الذرات والإلكترونات وهي بتتفاعل مع بعضها !.. تخيل مدى حجم وتأثير اكتشاف زي ده !..
إكتشاف هيقدر إنه يغير شكل الطب في السنين اللي جاية، ويعالج أمراض مستعصية، ولأول مرة يفهمنا بشكل كامل طريقة عمل المخ والخلايا العصبية.. وده اللي هيفتح لينا المجال إننا نقدر نطلق طاقات المخ البشري لحدها الأقصى.. وتطبيقات ده كتير جدًا محتاجة مقال لوحدها..
ده غير إن مستقبلًا، علماء المشروع ده عندهم فكرة شغالين عليها حاليًا، هتقدر إنها تزود قدرة الكاميرا أضعاف مضاعفة، لحد ما توصل لإنها تصور اللقطات بسرعة تصل لحوالي كوادريليون Quadrillion لقطة في الثانية !.. تاني، عشان تتخيل الرقم ده، هات آلة حاسبة جنبك، لإنه مينفعش يتكتب.. إكتب بس على الآلة الحاسبة 10 أس 15 وشوف الناتج!
سرعة زي دي في الواقع هتقدر إنها لأول مرة تكشف لينا عن الأسرار اللي بقالنا قرون بنحاول نعرفها في علم الفيزياء، عن طريقة تفاعل الضوء مع المادة.. وده مش بس هيفتحلنا الطريق لدراسة حاجات مستعصية على التكنولوجيا الحديثة زي الثقوب السوداء مثلًا؛ لأ ده هيفتح الطريق لكشف أسرار الفيزياء كلها، ومعاها هنقدر إننا فعلًا نفهم الكون، ونطوعه لينا.. ده شيء مش محتاج شرح.. هسيبك أنت تستوعبه..
عاوزك بس تفتكر إن كل الاكتشافات دي عمرها ما كانت هتبقى حقيقة، ولا هتتم، من غير مجهودات عالم عبقري فتح الطريق لكل ده لما اكتشف الفيمتو ثانية Femtosecond، هو العالم المصري العظيم الدكتور أحمد زويل، الفايز بجايزة نوبل عن اكتشافه ده، سنة 1999..
العالم اللي إحنا لحد دلوقتي لسه بنشوهه، وبنتفه من فتوحاته في مجال العلوم والفيزياء، وهو في الواقع واحد من آباء التصوير الحديث، والفيزياء التطبيقية في الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا..
المهم.. في آخر المقال ده كالعادة هطلب منكم إنكم تنشروه في كل حتة من خلال زرار الشير، بحيث المعلومة والاكتشاف يوصل لكل المهتمين بالمجالات العلمية والتكنولوجية اللي تعرفوهم.. الشير عمومًا بينقل الإستفادة منكم لغيركم، وبيساهم في إننا نقدر نوعي الناس للموضوعات اللي بنتكلم فيها هنا، ومش عيب أبدًا، بل بالعكس هو بيعتبر تقدير شخصي منكم للمجهود المبذول في كتابة مقال زي ده، ولو حابب تتعمق أكثر في القراءة إفتح المصادر المرفقة في الموضوع.
بقلم: محمود علام
مصادر عربية
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث